إعفاء اللحية ليست دليلاً بمفردها على استقامة صاحبها
قال الإمام البخاري رحمه الله :
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ
بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْيَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا
قَالَ فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ وَأَقْرَعَ بْنِ حابِسٍ
وَزَيْدِ الْخَيْلِ وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ فَقَالَ رَجُلٌ
مِنْ أَصْحَابِهِ كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ
يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً قَالَ فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ
مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ نَاشِزُ الْجَبْهَةِ كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ مُشَمَّرُ
الْإِزَارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ قَالَ وَيْلَكَ أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ
الْأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ قَالَ ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ قَالَ لَا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي فَقَالَ خَالِدٌ
وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ
بُطُونَهُمْ قَالَ ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُقَفٍّ فَقَالَ إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ
هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ
الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ وَأَظُنُّهُ قَالَ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ .
قال الشيخ مقبل في " إجابة السائل " :
بعض أهل اللحى ربما يعفي لحيته و هو خادعٌ مخادعٌ غشاش،
هذا ليس الذنب ذنب اللحية، الذنب ذنب ذ لك المجرم، و إلا فقد
كان المشركون يشركون و يعفون لحاهم.
أيضا اليوم تجد بعض اليهود و النصارى يعفون لحاهم، فلا يدل
ذلك على صلاحهم و هدايتهم، و كذا كثير من أهل البدع .
[size=21]أقوال العلماء في تحريم حلق اللحية
أخي المسلم : اعلم أن فيما ذُكر من الأدلة عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأمر بالإعفاء، و التوفير، و الإرخاء، و
الإيفاء، و الإرجاء. وما تقدم ذكره من فعل الأنبياء و الصحابة،
بل من فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و حاله؛ يدل الرجل ـ
الباحث عن الحق و السنة التي كان عليها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وسلف الأمة ـ دلالة واضحة بينةً على تحريم حلق اللحية
ووجوب إعفائها و عدم التعرض لها .
أما من قل إيمانه؛ و أخده بالسُنَّة، وعفن فهمه لمعانيها فقريب
قلبه من الهوى و اتباع أعداء الإسلام (١).
و لاريب في تنازله عن مثل هذه الشعيرة العظيمة و ميلانه ال
فعله بمخالفتها و عدم الالتفات إلى مقتضي النصوص الدالة على إقامتها .
أخي المسلم ـ وفقني الله و إياك لطاعته ـ فزيادة على قول النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفعله و فعل الصحابة و هدي إخوانه
الأنبياء، أحب أن أذكر لك ما سهل الله ذكره من أقوال ورثة الأنبياء .
أجمع الأئمة على تحريم حلق اللحية، ونص بعضهم على الكراهة
ـ يعني ت حريما ـ؛ لأن الكراهة عندهم تطلق كثيرا على
المحرمات، و المتقدمون يعبرون بالكراهة عن التحريم، كما نقل
عنهم ذلك في كتب " أصول الفقه" .
* بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية : يحرم حلق اللحية للأحاديث الصحيحة، و لم يبحه أحد .
* و نقل ابن حزم في "مراتب الإجماع" الإجماع على أن حلق اللحية لا يجوز.
* و قال في " الهداية" : و أما الأخد منها و هي دون ذلك كما
يفعله بعض المغاربة و مخنثة الرجال فلم يبحه أحد.
* و قال المعصومي رحمه الله في "عقد الجوهر الثمين" : إن
حلق اللحية و استئصالها يكره تحريماً كما يفعله الإفرنج و
المتفرنجة ممن ينتسب إلى الإسلام...و ذلك مذهب الإئمة الأربعة.
* و قال محمود السبكي في " المنهل العذب المرود " :حلق
اللحية محرم عن الأئمة المجتهدين أبي حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد .
* و قال الشيخ علي محفوظ في " الإبداع في مدار الإبتداع" :
اتفقت المذاهب الأربعة على توفير اللحية و حرمة حلقها .
* و قال النفراوي في " شرحه على رسالة ابن أبي زيد " ما
مفاده : يحرم حلق اللحية عند جميع الأئمة، لمخالفته لسنة
المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، و لموافقة فعل الأعاجم و المجوس.
(١)
وذلك كالقرضاوي حيث قال في كتابه "الحل الإسلامي": ( فإن الأمر ـ يعني
بإعفاء اللحية ـ لا يدل على الوجوب جزماً، و إن علل بمخالفة الكفار).
أخي هذا هو صاحب الفهم السقيم العفن، حيث إنه استعمل في إبطال وجوب
الإعفاء أقيسة فاسدة، و رأى آراء باطلة، و تشبث بشبه مدحوضة، فقد رد ما
يقتضيه النص الصحيح الصريح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و
أصحابه، وذهب إلى مايقتضيه هواه و منهجه عياذاً بالله. رحم الله سفيان
الثوري حين قال : ( من ضل من علماء المسلمين كان شبيهاً باليهود، و من ضل
من عبادهم كان شبيهاً بالنصارى
).الأقوال مفصلة عند أصحاب المذاهب في اللحية
المذهب الحنبلي :
نص فقهاء المذهب الحنبلي على تحريم حلق اللحية، و منهم من
صرح بأن المعتمد في المذهب حرمة حلقها، كما قال السفاريني
في " غداء الألباب " : ( المعتمد في المذهب حرمة حلق اللحية ).
قال شيخ الإسلام في " الاختيارات " : ( و يحرم حلق اللحية ). و
نقله صاحب " زاد المستقنع ".
و قال رحمه الله أيضاً : ( يحرم حلق اللحية و لم يبحه أحد ) .
و قال ابن مفلح في " الفروع " بعد ذكر حديث ابن عمر ( قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ أَحْفُوا
الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى ) : ( هذه الصيغة عند أصحابنا تقتضي
التحريم، و قال صاحب " شرح المنتهي ": يحرم حلق اللحية ).
وممن نص على تحريمها أيضاً : صاحب " دليل الطالب "، و
صاحب " الروض المربع"، و صاحب " كشف القناع ".
المذهب الشافعي :
قال الشيخ أحمد بن قاسم العبادي في حاشيته على "تحفة
المحتاج" قال ابن رفعة في " حاشية الكافية ": إن الإمام
الشافعي قد نص في " الأم " على تحريم حلق اللحية. و كذا نص
الزركشي و الحليمي في " شعب الإيمان " و أستاده القفال
الشاشي في " محاسن الشريعة " على تحريم حلق اللحية. و قال
الأذرعي : الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة بها ).
و نحوه في "حاشية الشرواني " على الكتاب المذكور .
و قال في " شرح العباب " : (قال الشيخان (٢) : يكره حلق
اللحية، و اعترضه ابن الرفعة بأن الشافعي نص في " الأم "
على التحريم. و قال الأذرعي الصواب تحريم حلقها جملة لغير
علة بها).
وقد نقل الشيخ إسماعيل الأنصاري عن الغزالي و النووي رحمها
الله وغيرهما أنهم قالوا : ( ونتفها في أول نباتها تشبه بالمرد و
من المنكرات الكبار ).
و قال أبوشامة رحمه الله : ( وقد حدث قوم يحلقون لحاهم، وهو
أشد مما نقل عن المجوس من أنهم كانوا يقصونها). اه من
"الفتح" [ انظر كتاب " خصال الفطرة " للإمام أبي شامة ].
المالكية :
قال ابن عبدالبر في "التمهيد" : ( و يحرم حلق اللحية، و لا
يفعله إلا المخنثون من الرجال).
و قال الدسوقي في "حاشيته على شرح الخليل" : (يحرم على
الرجل حلق لحيته ).
و قال القرطبي في "طرح التثريب" : ( لا يجوز حلق اللحية ولا
نتفها و لا قصها).
و قال الخطابي في "شرح المختصر" : ( وحلق اللحية لا يجوز).
و كذا قال أبو الحسن في " شرح الرسالة " و الصعيدي في "
حاشيته على شرح أبي الحسن ".
و قال النفراوي في "شرحه على رسالة ابن أبي زيد" ما مفاده :
( يحرم حلق اللحية عند جميع الأئمة؛ لمخالفته لسنة المصطفى
صلى الله عليه و سلم،و لموافقته فعل الأعاجم و المجوس).
و قال الشيخ على محفوظ في "الإبداع" : ( و مذهب المالكية حرمة حلق اللحية و كذا قصها).بتصرف.
الحنفية
قال في "الدر المختار" [ مع ' حاشية ابن عابدين ' ] : ( و يحرم
على الرجل قطع لحيته .... و مثل ذلك في أكثر كتب الحنفيه ك '
فتح القدير ' و ' شرح الزيلعي على الكنز ' .
الظاهرية :
قال الإمام ابن حزم رحمه الله في ' مراتب الإجماع ' : ( و اتفقوا
أن حلق اللحية مثله لا يجوز ).
و قال في ' المحلى ' : (فرض قص الشارب و إعفاء اللحية ...) .
و بهذا ( تعلم أن حرمة حلق اللحية هي دين الله و شرعه الذي لم
يشرع لخلقه سواه، و أن العمل على غير ذلك سفه و ضلالة، أو
فسق و جهالة، أو غفلة عن هدي سيدنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ). [ الإبداع ]
[size=21]من أقوال العلماء المعاصرين * قال الشيخ العلامة الإمام الألباني في " آداب الزفاف " :
و مما لا ريب فيه ـ عند من سلمت فطرته و حسنت طويته ـ أن
كل دليل من هذه الأدلة ( تقدمت في الأدلة القولية ) كافٍ لإثبات
وجوب إعفاء اللحية و حرمة حلقها فكيف بها مجتمعة ؟!* قال الشيخ الإمام أبو عبد الرحمن الوادعي في كتابه " إجابة السائل " :
إعفاء اللحية يعتبر واجبا و حلقها محرم، و حالق اللحية يعتبر
فاسقاً؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم يقول : " أحفوا الشوارب
و أعفوا اللِّحى " .
و يقول أيضاً : " أرخوا اللحى " و كانت لحية رسول الله صلى
الله عليه و سلم تملأ صدره و قيل لبعض الصحابة رضي الله
عنهم : بِمَ تعرفون أن النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ ؟ قالوا:
باضطراب لحيته .
و المسلم يكاد أن يذوب في هذا المجتمع، فينبغي أن يحافظ على
السنن فهي تعطي الرجل هيبة بإذن الله؛ إذا كان يكرم لحيته، أي
بتجنب ما يدنسها، ثم بعد ذلك يتعاهدها بالمشط و يتعاهدها بشيء
من الطيب و بشيء من الدهن.
و حلق اللحى يعتبر تشبهاً بالنساء و يعتبر تشبهاً بالكفار، و
الظاهر أن أول من سن هذه السنة السيئة للمسلمين هم الصوفية
كما في
" تلبيس إبليس" ابتلى الله الإسلام بالصوفية و اتلى الله
الإسلام بالشيعة .
و الأخد من طولها و عرضها لم يثبت، اترك لحيتك و أعفها كما
أمرك رسول الله صلى الله عليه و سلم، و قد ورد ذكر اللحية في
القرآن، و هارون يقول :
قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ
بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي . طه ٩٤و أما ما رواه الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده فإنه من طريق عمرو بن هارون البلخي، و شيخه فيه أسامة
بن زيد الليثي، عمرو بن هارون البلخي يقول فيه يحيى بن معين
: ( كذاب خبيث)، و أسامة بن زيد الليثي محتمل حديثه للتحزين،
فالحديث لا يثبت .
و من العجيب أمر أصحاب الهوى أنهم يطعنون في أحاديث اللحية
و يقولون : هي آحاد، و يستدلون بهذا الحديث الذي رواه الترمذي.
قال شلتوت : إننا لو لاحظنا المعنى لحلقنا لحانا، لماذا ؟ قال : لأن
النبي صلى الله عليه و سلم يقول : " خالفوا اليهود " و قد وجدنا
اليهود الآن يعفون لحاهم إذاً فنحن نحلق لحانا . هذه وساوس
شيطانية [color=magenta]