المصدر:
الشبكة الإسلامية
========
مسألة: هل يعذب الميت ببكاء أهله عليه؟
ظَافِرُ بْنُ حَسَنْ آل جَبْعَان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث
عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: اشتكى سعد بن عبادة
شكوى له فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده مع
عبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبدالله بن مسعود
رضي الله عنهم، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله فقال:"
قد قضى" قالوا: لا يا رسول الله فبكى النبي - صلى الله عليه
وسلم - فلما رأى القوم بكاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بكوا
فقال:« أَلاَ تَسْمَعُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلاَ بِحُزْنِ
الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا - وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ - أَوْ يَرْحَمُ وَإِنَّ
الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ » (1).
وقد اختلف العلماء في الإجابة عن هذا الحديث على ثمانية أقوال،
وأقربها إلى الصواب قولان:
الأول: ما ذهب إليه الجمهور(2)، وهو محمول على من أوصى
بالنوح عليه، أو لم يوصِ بتركه، مع علمه بأن الناس يفعلونه
عادةً، ولهذا قال عبدالله بن المبارك:( إذا كان ينهاهم في حياته
ففعلوا شيئاً من ذلك بعد وفاته، لم يكن عليه شيءٌ)، والعذاب
عندهم بمعنى العقاب.
الثاني: أن معنى « يُعَذَّبُ » أي يتألم بسماعه بكاء أهله ويرق
لهم ويحزن، وذلك في البرزخ، وليس يوم القيامة؛ وإلى هذا
ذهب محمد بن جرير الطبري وغيره، ونصره ابن تيمية، وابن
القيم وغيرهما؛ وقالوا:( وليس المراد أن الله يعاقبه ببكاء الحي
عليه، والعذاب أعم من العقاب كما في قوله - صلى الله عليه
وسلم -:« الْسَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ »، وليس هذا عقاباً على
ذنب، وإنما هو تعذيب وتألم)(3).
ورجـح هذا القول الإمام القـرافي (ت:684هـ) - رحمه الله تعالى
- فقال:(وهذا الوجه عندي هو الفرق الصحيح، ويبقى اللفظ على
ظاهره، ويستغنى عن التأويل، وتخطئة الراوي، وما ساعده
الظاهر من الأجوبة كان أسعدها، وأولاها)(4).
قال الإمام النووي(ت:676هـ) - رحمه الله تعالى -:(وإلى هذا
ذهب محمد بن جرير الطّبري وغيره.
وقال القاضي عياض: وهو أولى الأَقوال, واحتجوا بحديث فيه
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زجر امرأة عن البكاء على
أبيها وقال: « إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا بَكَى اسْتَعْبَرَ لَهُ صُوَيْحِبَهُ فَيَا عِبَادَ
اللَّهِ لا تُعَذِّبوا إِخْوَانَكُمْ » (5).
وقد حكى النووي - رحمه الله تعالى - إجماع العلماء على
اختلاف مذاهبهم، على أن المراد بالبكاء الذي يعذب الميت هو
البكاء بصوت ونياحة، لا بمجرد دمع العين(6).
والله تعالى أعلم وأحكم
--------------------------
الهوامش
(1)
أخرجه البخاري في كتاب الجنائز: باب البكاء عند
المريض(الفتح3/527برقم:1304)، وأخرجه مسلم في كتاب الجنائز: باب البكاء
على الميت(2/636برقم:924).
(2) المجموع (5/282)، المغني(3/494)، شرح مسلم للنووي(5/325)، نيل الأوطار(4/125).
(3) أحكام الجنائز للألباني(ص:41-42).
(4) الفروق للقرافي(2/296).
(5) شرح مسلم للنووي(5/325)؛ وانظر سبل السلام(2/235).
(6) المجموع (5/282)، وانظر نيل الأوطار(4/128).
المصدر/
صيد الفوائد